بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده, وعلى آله وصحبه.
أما بعد، فلا يخفى على كل من له معرفة ما عمت به البلوى في كثير من البلدان من تبرج الكثير من النساء وسفورهن وعدم تحجبهن من الرجال، وإبداء الكثير من زينتهن التي حرم الله عليهن إبداءها. ولا شك أن ذلك من المنكرات العظيمة والمعاصي الظاهرة. ومن أعظم أسباب حلول العقوبات ونزول النقمات لما يترتب على التبرج والسفور من ظهور الفواحش وارتكاب الجرائم وقلة الحياء وعموم الفساد.
فاتقوا الله أيها المسلمون، وخذوا على أيدي سفهائكم، وامنعوا نساءكم مما حرم الله عليهن، وألزموهن التحجب والتستر، واحذروا غضب الله سبحانه، وعظيم عقوبته، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسم أنه قال: (( إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه، أوشك أن يعمهم الله بعقابه)) (1)
وقد قال الله سبحانه في كتابه الكريم:***(لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه. لبئس ما كانوا يفعلون)(2)
وفي المسند وغيره(3) عن ابن مسعود رضي
الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية ثم قال: (( والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر. ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطراً(3)، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم يلعنكم كما لعنهم )) وصح
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( من رأى منكم منكراً فيلغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان(1) )).
وقد أمر الله سبحانه في كتابه الكريم بتحجب النساء ولزومهن البيوت. وحذر من التبرج والخضوع بالقول للرجال صيانة لهن عن الفساد وتحذيراً من أسباب الفتنة. فقال تعالى:
( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً. وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وأقمن الصلاة، وآتين الزكاة، وأطعن الله ورسوله) (1).
الآية: نهى سبحانه في هذه الآية نساء النبي الكريم أمهات المؤمنين، وهى من خير النساء وأطهرن عن الخضوع بالقول للرجال وهو تلبين القول وترقيقه. لئلا
يطمع فيهن من في قلبه مرض شهوة الزنا ويظن أنهن يوافقنه على ذلك وأمر بلزومهن البيوت ونهاهن عن تبرج الجاهلية. وهو إظهار الزينة والمحاسن كالرأس والوجه والعنق والصدر والذراع والساق ونحو ذلك من الزينة لما في ذلك من الفساد العظيم والفتنة الكبيرة وتحريك قلوب الرجال إلى تعاطي أسباب الزنا، وإذا كان الله سبحانه يحذر أمهات المؤمنين من هذه الأشياء المنكرة مع صلاحهن وإيمانهن وطهارتهن فغيرهن أولى. وأولى بالتحذير والإنكار والخوف عليهن من أسباب الفتنة. عصمنا الله وإياكم من مضلات الفتن، ويدل على عموم الحكم لهن ولغيرهن قوله سبحانه في هذه الآية: ( وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله ) فإن هذه الأوامر أحكام عامة لنساء النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهن. وقال عز وجل: ( وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب. ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن )(1).
فهذه الآية الكريمة نص واضح في
وجوب تحجب النساء عن الرجال وتسترهن منهم، وقد أوضح الله سبحانه في هذه الآية أن التحجب أطهر لقلوب الرجال والنساء وأبعد عن الفاحشة وأسبابها. وأشار سبحانه إلى أن السفور وعدم التحجب خبث ونجاسة، وأن التحجب طهارة وسلامة.
فيا معاشر المسلمين تأدبوا بتأديب الله، وامتثلوا أمر الله، وألزموا نساءكم بالتحجب الذي هو سبب الطهارة ووسيلة النجاة.
( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين, وكان الله غفوراً رحيماً ) (1).
والجلابيب جمع جلباب وهو ما تضعه المرأة على رأسها للتحجب والتستر به، أمر الله سبحانه جميع نساء المؤمنين بإدناء جلابيبهن على محاسنهن من الشعور والوجه وغير ذلك حتى يعرفن بالعفة فلا يفتتن ولا يفتن غيرهن فيؤذيهن. قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: أمر الله نساء
المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عيناً واحدة واحدة، وقال محمد ابن سيرين: سألت عبيدة السلماني عن قول الله عز وجل: ( يدنين عليهن من جلابيبهن) فغطى وجهه ورأسه وابرز عينه اليسرى.. ثم أخبر الله سبحانه أنه غفور رحيم عما سلف من التقصير في ذلك قبل الني والتحذير منه سبحانه.
وقال تعالى: ( والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحاً فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة. وأن يستعففن خير لهن. والله سميع عليم ) (1)
يخبر سبحانه أن القواعد من النساء. وهن العجائز اللاتي لا يرجون نكاحاً. لا جناح عليهن أن يضعن ثيابهن عن وجوهن وأيديهن إذا كن غير متبرجات بالزينة ليس لها أن تضع ثوبها عن وجهها ويديها وغير ذلك من زينتها. وأن عليها جناحاً في ذلك
ولو كانت عجوزاً، لأن كل ساقطة لها لاقطة، ولأن التبرج يفضي إلى الفتنة بالمتبرجة ولو كانت عجوزاً. فكيف يكون الحال بالشابة والجميلة إذا تبرجت لا شك أن إثمها أعظم، والجناح عليها أشد والفتنة بها أكبر.
وشرط سبحانه في حق العجوز أن لا تكون ممن يرجو النكاح، وما ذلك ــ والله أعلم ــ إلا أن رجاءها النكاح يدعوها إلى التجمل والتبرج بالزينة طمعاً في الأزواج، فنهيت عن وضع ثيابها عن محاسنها صيانة لها ولغيرها من الفتنة، ثم ختم الآية سبحانه بتحريض القواعد على الاستعفاف، وأوضح أنه خير لهن وإذا لم يتبرجن فظهر بذلك فضل التحجب والتستر بالثياب ولو من العجائز، وأنه خير لهن من وضع الثياب. فوجب أن يكون التحجب والاستعفاف عن إظهار للزينة خيراً للشباب من باب أولى، وأبعد لهن عن أسباب الفتنة:
وقال تعالى: ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم، ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم، إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن، ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهن على جيوبهن. ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن، أو آبائهن. أو آباء بعولتهن أو إخوانهن. أو بني إخوانهن، أو بني أخواتهن . أو نسائهن، أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولى الإربة من الرجال، أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء، ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن، وتوبوا إلى الله جميعاً أيهَ المؤمنون لعلكم تفلحون ) (1)
أمر الله سبحانه في هاتين الآيتين الكريمتين المؤمنين والمؤمنات بغض الأبصار، وحفظ الفروج. وما ذلك إلا لعظم فاحشة الزنا وما يترتب عليها من الفساد الكبير بين المسلين، ولأن إطلاق البصر من وسائل مرض القلب ووقوع الفاحشة، وغض البصر من أسباب السلامة من ذلك ولهذا قال سبحانه: ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
(1) سورة النور، الآيتان 30ــ 31.
ويحفظوا فروجهم، ذلك أزكى لهم. إن الله خبير بما يصنعون ) فغض البصر وحفظ الفرج أزكى للمؤمن في الدنيا والآخرة وإطلاق البصر والفرج من أعظم أسباب الغضب والعذاب في الدنيا والآخرة. نسأل الله العافية من ذلك.
وأخبر عز وجل أنه خبير بما يصنعه الناس. وأنه لا يخفى عليه خافية، وفي ذلك تحذير للمؤمن من ركوب ما حرم الله عليه، والإعراض عما شرع الله له، وتذكير له بأن الله سبحانه يراه ويعلم أفعاله الطيبة وغيرها. كما قال تعالى: ( يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ) (1).
وقال تعالى: ( وما تكون في شأن، وما تتلوا منه من قرآن . ولا تعملون من عمل. إلا كنا عليكم شهوداً إذ تفيضون فيه ) (2)
فالواجب على العبد أن يحذر به، وأن يستحي منه أن يراه على معصيته أو يفقده من طاعته التي أوجب عليه، ثم قال سبحانه:
( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن، ويحفظن فروجهن )
فأمر المؤمنات بغض البصر، وحفظ الفرج، كما أمر المؤمنين بذلك صيانة لهن من أسباب الفتنة، وتحريضاً لهن على أسباب العفة والسلامة، ثم قال سبحانه: ( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها )
واخر دعوانا الحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين